عن أبي نضرة رضي الله عنه قال : كنا عند جابر بن عبد الله رضي عنه فقال : يوشك أهل العراق ألا يجبى إليهم قفيز و لا درهم .
قلنا : من أين ذلك ؟ .
قال : العجم يمنعون ذلك .
ثم قال : يوشك أهل الشام ألا يجبى إليهم دينار و لا مدي
قلنا : من أين ذاك ؟
قال : من قبل الروم ؟
ثم سكت هُنيهة ، ثم قال : قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه و سلم : يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً لا يعده عداً .
قلت لأبي نضرة : أترى أنه عمر بن العزيز؟
قال : لا .
هذا الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه يتضمن ثلاثة أخبار من أنباء الغيب و المستقبل :
الأول : عن حصار العراق .
الثاني : عن حصار الشام .
الثالث : عن خليفة في آخر الزمان يحثي المال حثياً و لا يعده عداً .
الخبر الأول و الخبر الثاني موقوفان على جابر بن عبد الله رضي الله عنهما حيث لم يرفعهما إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم .
الخبر الثالث رفعه جابر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم .
حيث أن العلماء متفقون على أن الصحابي إذا روى خبراً من أخبار الغيب موقوفاً ، أي لم يرفعه أو ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يكون في حكم المرفوع، إذ لا يحتمل أن لا يحدث الصحابي بخبر من أخبار الغيب، إلا إذا كان قد سمعه من الصادق المصدوق صلى الله عليه و سلم
و الملاحظة في هذا الحديث أن جابر رضي الله عنه ، قد ذكر الأخبار الثلاثة الأولى ثم الثاني ، ثم سكت هنيهة ، ثم ذكر الخبر الثالث مرفوعاً و هو يتحدث عن الذي يحثي المال حثياً .
و من ثم يمكننا أن نستنبط الحقائق التالية بناء على ما تقدم .
1. يسبق ظهور الخليفة الكريم و تأسيسه للخلافة الإسلامية الأخيرة حدثان : حصار العراق و حصار الشام . و دليل هذا أن هذين الحدثين مذكوران في المتن قبل ظهوره.
2. سكوت جابر رضي الله عنه هنيهة بعد ذكر حصار الشام و قبل ذكر خبر الخليفة يوحي بأن الأخير يحدث بعد الثاني مباشرة . كما يدل على أن ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الأخبار الثلاثة قد فهم منه أنها جميعاً ثلاثة أحداث متتالية في الحدوث ستحدث في آخر الأمة .
3. يؤكد هذا فهم التابعي أبي نضرة الذي نفى أن يكون هذا الخليفة هو عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، بالرغم مما عرف عن عهده من كثرة المال ، و لكن عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله لم يسبقه حصار العراق و لا حصار للشام .
4. حصار العراق الوارد في المتن تضمن منع الطعام و المال عن العراق ، و كنى عن الطعام بالقفيز الذي هو مكيال أهل العراق للحبوب . كذلك ذكر منع جباية المال إلى العراق مع الطعام ، و هذا أمر غريب ، إذ البلد المحاصر قديماً كان يدفع المال في مقابل الطعام ، ولم يكن يتصور منع المال عنه ، لكن دلَّ منع المال عن أهل العراق مع منع الطعام عنهم في نفس الوقت أن مصدر الأموال عندهم من التصدير ، و أن الحصار يمنع عنهم الاستيراد كما يمنع عنهم التصدير .
و دل هذا على أن ما يصدرونه للحصول على الأموال لا يمكن أن يكون إشارة واضحة إلى اعتماد العراق ككل دول البترول على تصديره كمصدر رئيسي و ربما وحيد لميزانية هذه الدول .
5. عبر جابر رضي الله عنه عن الحصار أو ما يسمى في الإعلام المعاصر بالحصار بعبارة أخرى و بلفظ آخر و هو قوله ( يوشك أهل العراق ألا يجبى إليهم ) و هو تعبير دقيق ينطبق على ما يسمى بالحصار العالمي للعراق الذي يعايشه أهل العراق منذ دخول جيشهم إلى الكويت حتى الآن ، و هو أدق وأصوب لغة ومعنى من تعبير الحصار . لأن الحصار يقتضي حصر البلد المحاصر داخل حدود لا يستطيعون الخروج منها كما يمنع غيرهم من دخولها . هكذا كان حصار المدن قديماً ، إذ كان يحيط جيش العدو بأسوارها و أبوابها ، أو حتى بحدودها ، إذا لم يكن لها أسوار ، و يمنعون دخول البضائع إليها بهذه الكيفية القديمة . أما الآن فالأمر مختلف تماماً وإن استخدامنا لفظ الحصار القديم . إذ ليس للعراق الممتدة شرقاً و غرباً و شمالاً و جنوباً ، أسوار وليس لها بوابات و ليس حول حدودها الشاسعة جيوش متراصة كما في القديم . و مع هذا فقد منع عنهم الكيل و الدواء والسلاح والدراهم حيث توقف تصدير البترول . وجاء المنع بقرارٍ من مجلس الأمن بالمقاطعة الاقتصادية و التجارية و العسكرية و بامتثال الدول الخاضعة لهذا المجلس لهذه القرارات
ونظراً لأن الأيادي الخفية التي تحكم من وراء حجاب من خلال مجلس الأمن وبقوة أعضائه ونظراً لأنها لا تملك أن تخضع كل البشر والدول فإن الحصار أو بالتعبير الصحيح الدقيق المنع ليس كاملاً و تاماً ، حيث هناك التهريب من الحدود فالحصار أو المنع ليس تماماً ولا كاملاً ، لذا جاء التعبير عنه بقوله جابر رضي الله عنه ( ... . يوشك ...) بمعنى يكاد ، و نظراً لأنه منع بقرار و بامتناع أكثر الدول و الشركات العالمية عن البيع و الشراء مع العراق جاء التعبير بقوله ( ألا يجبى إليهم ) .
صحيح أن أكثر العرب يقاطعون العراقيين و يمنعون عنهم الطعام ، و لكن لا يخطر على بال أحد ـ في الزمان السابق المعاصر للصحابة ـ أنه سيأتي يوم على شعوب الأرض جميعاً يخضعون لقرار واحد ، و يستجيبون لهيئة واحدة ، و لذا كان أقرب تعبير عن هذه المقاطعة العالمية للعراق يفهمه أهل ذاك الزمان هو أن العجم أي كل شعوب الأرض من غير العرب هم الذين يمنعون الطعام عن أهل العراق .
و إذا تأملنا النص ، وجدناه مطابقا مع الواقع الفعلي المعاصر ، إذ أن التابعين المتلقين عن جابر سألوه : من أين ذاك ؟.
و هو سؤال عن مصدر المنع و أصل الحصار و ليس عن الذين يمنعون بالتحديد فجاءت الإجابة بأن المصدر هو العالم كله ، أو هو هيئة تمثل دول العالم ، إذ قال جابر رضي الله عنه : العجم يمنعون ذاك ؟.
وعلى هذا يمكن القول أن المنع الحادث عن العراق أعجمي ، لأن كل شعوب الأرض ماعدا العرب " رسمياً" بمقتضى موقف اليمن في مجلس الأمن ـ قد فرضوا هذا الحصار عن رضى و طواعية ، لأن مجلس الأمن يومئذ ، الدائمين فيه و غير الدائمين ماعدا اليمن ، هو مصدر الحصار أو بالتعبير الدقيق مصدر المنع و على هذا فليس أدق من إجابة جابر رضي الله تعالى عنه عن مصدر الحصار أو المنع من قوله :" العجم يمنعون ذاك " .
فهو منع و ليس حصار من ناحية ، و مصدره ، و أساسه كل شعوب و أمم ودول الأرض ماعدا العرب ، فهم إذن العجم .
6. لم يحدث منذ بدء تاريخ الإسلام ومنذ أن أسلم شعب العراق و أصبح جزءاً من الأمة الإسلامية لم يحدث حصار للشعب العراقي مفروض من كل شعوب ودول العالم من قبل.
7. إذا كان هذا الخبر الأول من حديث جابر رضي الله عنه قد حدث و لازال قائماً ، فإنه يقيناً ، خاصة و أن الحديث صحيح ، سيحدث الخبر الثاني وهو حصار الشام.
كذلك سيتلوه في الحديث الثالث و هو الخلافة الصالحة.
ثم قال : (يوشك أهل الشام ألا يُجبى إليهم دينار و لا مُدي ) .
تعبير المنع نفسه، و المدي هو مكيال أهل الشام للطعام ، فهو إذن منع الطعام عن أهل الشام ، وكذلك منع المال عنهم . أي لا استيراد و لا تصدير .
فلما سألوا جابراً رضي الله عنه عن مصدر هذا المنع ( قلنا : من أين ذاك ؟ قال : من قبل الروم ) .
و الروم في التراث الإسلامي هم أهل أوربا . و في هذه الإجابة الدقيقة من جابر رضي الله عنه دليل واضح على حدوث الزلزلة العظيمة بعد حصار العراق و قبل حصار الشام ، كيف ؟
لأن الروم الآن أو أوروبا متمثلة في مجلس الأمن بشعبين أو دولتين من أكبر دول أوروبا هم إنجلترا و فرنسا ، و أمريكا التي هي أقوى دول العالم المعاصر ، وتتفضل مجلس الأمن و تحكم العالم من خلاله أيضاً هي من أوروبا في الأصل ، لأن شعب أمريكا أوروبي الأصل فهم الذين تحدثت عنهم السنة باسم بني الأصفر و باسم الروم .
لكن جاء مصدر الحصار العالمي للعراق من كل العالم ، بينما سيأتي المنع على الشام من الروم ، وليس لهذا إلا تفسير واحد لا غير ، و هو أن النظام العالمي الجديد سينهزم و يصبح أثراً بعد عين .
و هذا معناه أنه لن يكون في الأرض مجلس أمن أو هيئة أمم متحدة تفرض ما تقرره على الشعوب و الدول بقوة السلاح .
ستنتهي هذه السلطة العالمية ، و تنمحي حتى أنه عندما سيحدث في الشام أو من أهل الشام ما يهدد مصالح و سيادة الروم في أوروبا فسيأتي المنع من أوروبا أو من الروم ، قد يستجيب للروم حينئذ غيرهم من بعض الدول و الشعوب حرصاً على مصالحهم معهم ، لكن مصدر السلطة التي ستجعل حصاراً على أهل الشام هي أوروبا.
و هذا لا يكون إلا بعد هدم النظام العالمي الجديد و انتهاء مؤسساته التي ظل اليهود سنين عديدة في إعدادها ، بجهود خبيثة خفية باطنية جبارة ، و من ثم سيتغير الصراع الإسلامي الجاهلي يتغير أطراف الصراح ، فيصبح بين العالم الإسلامي العربي و بين أوروبا بعد أن كان بين العالم كله من جهة و بين المسلمين المستضعفين م جهة أخرى .
و مقدمة هذا الصراع ما يحدث بين أوروبا و الشام ، و هكذا تبدو في الأفق بداية تكون ملامح صورة العالم الجديد المؤدية إلى صراع قوتين عظيمتين في الأرض هما أوربا الموحدة المشركة بالله تعالى و الخلافة الإسلامية بقيادة المهدي لينتهي الصراع بين التوحيد و الشرك بدخول المسلمين روما بعد الملحمة العظمى و كل أوروبا و أمريكا . لقد صاحب الحصار العالمي للعراق معركة عالمية عظيمة أطلق عليها البعض بحق : " الحرب العالمية الثالثة " فهي إذن ملحمة ، بل هي أولى الملاحم إذ ستتلوها ملاحم بين المسلمين و الروم تنتهي بآخرها ، أي الملحمة العظمى التي يفتح الله تعالى بها على المسلمين أوروبا .
و خلاصة القول أن تغير مصدر المنع من العجم بالنسبة للعراق إلى الروم بالنسبة للشام يعني أن المصدر الأول و هو مجلس الأمن بقيادة أمريكا و المتضمن لأوروبا أو الروم (إنجلترا و فرنسا ) لن يكون موجوداً عند حصار الشام ، إذ سيكون من الروم أو أوروبا فقط و هذا معناه انعدام مجلس الأمن و أمريكا كقوة سياسية كقوة سياسية عسكرية تحكم الأرض عند حصار الشام ، و هنا إشارة خفية في الحديث السابق إلى أن حصار العراق سيكون أشد من حصار الشام و ذلك أنه صلى الله عليه و سلم ذكر في الشق الذي يتعلق بالعراق أنه يوشك أهل العراق ألا يجبى إليهم قفيز و لا درهم ، أما أهل الشام فقال : يوشك أهل الشام ألا يجبى إليهم دينار و لا مدي و من المعلوم أن الدرهم أقل بكثير من الدينار أي أن أهل الشام سوف يمنع عنهم الدينار أما أهل العراق فسوف يمنع عنهم الدرهم و الدرهم كما هو معروف أقل بكثير من الدينار .