دروس غزة
ليس هناك ما يضعف حسابات العقل مثل حسابات القوة خاصة إن كانت مصحوبة بالغرور والاستعلاء، وهذا ما لم تدركه الحكومة الإسرائيلية الحالية الموسومة – زوراً وبهتاناً – بالاعتدال.
ويبدو أنها غير قادرة على إدراكه مثلها مثل سائر الحكومات التي سبقتها والتي أثبتت مثل الحكومة الحالية أن الاعتدال بالنسبة لها مجرد أداء إعلامي ليس له أية صلة بواقع الحال،
وأصبح السباق على إبادة أكبر عدد من أبناء الشعب الفلسطيني مصدر تفاخر بين الأحزاب الإسرائيلية الهشة للحصول على أكبر عدد من مقاعد الكنيست في المواسم الانتخابية!
الم يتعلم قادة إسرائيل من التاريخ لأن غرور القوة يعمي أبصارهم وبصائرهم عن رؤية الحقيقة، والعجيب أن شعبهم هو من يقول إنه أكثر شعوب الدنيا معاناة عبر التاريخ من الظلم والاضطهاد والعنصرية، ومع ذلك يمارسون بسهولة ما ظلوا يدعون أنهم عانوا منه عبر التاريخ، ويتصورون أن القوة هي الكفيلة بمعالجة مشكلاتهم وتثبيت أمنهم وأمانهم لأن المصاب بداء الكبر والغرور والاستعلاء لا يرى في الكون إلا نفسه وذاته ومن ثم لا يستطيع إدراك حجم الأخطاء التي يقع فيها ويرتكبها بحق الغير، لأنه أساساً لا يعترف بهذا الغير ولا يقر له بأي حقوق!
لن أبالغ وأقول أن إسرائيل أقدمت على الانتحار بحربها الحالية ضد قطاع غزة، لكنها بهذه الحرب كما سابقاتها وكما بكل ممارساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني المحتل تختصر الزمن في كل حرب أو اعتداء نحو نهاية محتومة لا ندري كيف ومتى ستكون لكنها قادمة لا محالة تصديقاً لسنن الله تعالى في الكون والحياة والبشر وهي السنن التي ما خابت يوماً... وقد شهدنا بعضا من هذه السنن تتحقق في الشعوب المسلمة وغير المسلمة وكان آخرها النهاية المحتومة للنظام العنصري في جنوب إفريقيا التي عشناها جميعاً أواخر عقد الثمانينيات من القرن العشرين، وهي النهاية التي أعادت الأمور إلى نصابها وأعادت الوئام بين جناحي شعب جنوب إفريقيا من السود والبيض.
اما الشعب الفلسطيني في غزة فهو رغم كل تضحياته الكبيرة يختصر الطريق نحو مستقبل أفضل يمتلك فيه أرضه واستقلاله، وما يجري اليوم في غزة سيتكرر عاجلا أم آجلا في الضفة الغربية الواقعة تحت أسوأ أنواع القهر الصهيوني، فالحقيقة أن الممارسات الإسرائيلية لا تضع أمام الفلسطينيين سوى خيار واحد هو الانتفاض بكل وسائله وخياراته وما حدث خلال شهور الهدنة الستة الماضية في غزة كان أكبر دليل على ذلك، فالهدنة لم تكن سوى وسيلة لتشديد الحصار ضد أهل غزة ومن ثم إسقاط (حماس) لكن ما حدث أن الحصار ومن ثم هذه الحرب الوحشية جاءت لتقدم حماس ومن معها كجدار أخير مدافع عن حقوق شعب محتل مضطهد مطرود من أرضه.. وكما قدمت معركة الكرامة قبل أكثر من أربعين عاماً حركة فتح كحامل لراية القضية الفلسطينية، هاهي معركة غزة اليوم تقدم حركة حماس –شئنا أم أبينا– باعتبارها الرقم الصعب الذي لن يمكن تجاوزه في أي مسار مستقبلي للقضية الفلسطينية وهو حينئذ سيكون مساراً