[size=24][b">يعد سالابوس Salabus من أهم أبطال المقاومة الأمازيغية الذين قاوموا الاحتلال الروماني في فترة الأربعينيات من القرن الميلادي الأول. وقد عاصرت ثورة سالابوس الموري كلا من ثورة الملك بطليموس وثورة الوزير والقائد أيديمون وثورة قبيلة المزالمة في نوميديا ( الجزائر) . وقد تأججت مقاومة سالابوس في الجنوب الشرقي المغربي مابين ملوية شرقا وصحراء تافيلالت جنوبا وجبال الأطلس المتوسط وسطا.
ومن جهة أخرى، كلف سالابوس الجيش الروماني خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، ودفّعهم ثمنا باهظا لمدة أربع سنوات من الحرب والقتال العنيف، ذهب ضحية ذلك الكثير من أرواح الجنود الغزاة؛ مما جعل الحكومة الرومانية تفكر في إعداد حملة عسكرية بقيادة هزيديوس جيتا H.Gita للقضاء على ثورة سالابوس بشكل نهائي، وفعلا تم ما كان قد خطط له خبراء الحرب الرومانيون عندما حققوا الانتصار على أتباع سالابوس، وأسروا قائدهم الموري الذي قضوا عليه بشكل نهائي سنة 42 أو 43 أو 44 م.
إذاً، من هو سلابوس؟ وماهي التطورات التي عرفتها مقاومته المورية؟ وماهي النتائج التي ترتبت عن هذه المقاومة الشرسة؟
1- من هو القائد سالابوسٍSalab ؟
يعتبر سالاب Salab أو سالابو أو سالابوس ٍSalabus أو سابال Sabal من أهم القواد الموريين الأمازيغ الذين كانوا يتمركزون عسكريا في الجنوب الشرقي من موريطانيا الطنجية ، ومن الذين كانوا يتموقعون في مشارف موريطانيا القيصرية . وبالتالي، كان ينتقل من ملوية عبر جبال الأطلس نحو جنوب الصحراء المغربية لمواجهة القوات الرومانية الغازية في سنوات العقد الرابع من القرن الميلادي الأول. وفد استمرت ثورته تقريبا أربع سنوات إلى أن انتهت حياته على يد القوات الرومانية سنة 43 م على وجه التقريب.
ويمكن أن نوجز ثورته في مجموعة من المراحل التاريخية المهمة ، وهي: فترة المقاومة والتصدي للفيالق الرومانية الطامعة في استغلال المغرب واستنزاف خيراته، وفترة الهزيمة مع الجيش الروماني بقيادة هزيديوس جيتا مرتين متتاليتين، وفترة السلم والمهادنة مع حكام الروم وقوادهم ، وفترة السجن و الأسر، وفترة تصفية سلابوس والقضاء على وجوده بصفة نهائية.
2- تطور مقاومة سلابـــوس:
من المعروف أن ثورة سالابوس ثورة أمازيغية مورية ظهرت ما بين سنوات 40- 44 م في المنطقة الجنوبية الشرقية من موريطانيا. ويعني هذا أن هذه الثورة التي واجهت الاحتلال الروماني المتغطرس دامت تقريبا أربع سنوات من التحدي والمجابهة الشرسة. وقد تحالف سلابوس مع مجموعة من القبائل المغربية التي توجد خارج خط الليمس لمقاومة الرومان وهي قبائل الباگواطيين والمكنيتيين وقبائل نهر كير وقبائل منطقة تافيلالت الصحراوية. ومن هنا، فقد انطلقت مقاومة سالابوس من ملوية ومن الجنوب الشرقي المغربي ومن تافيلالت والصحراء الكبرى وذلك من أجل تطويق الجيش الروماني في مدينة وليلي وفي المراكز التي كان يتواجد فيها وخاصة في موريطانيا الطنجية.
واتخذ سالابوس جبال الأطلس قاعدة عسكرية لمباغتة الرومان والفرار من فيالقها مستعملا طريفة الفر والكر و شن حرب العصابات ؛ و قد سبب ذلك في تطويل الثورة المورية واستغراقها لحيز كبير في مقاتلة القوات الرومانية التي أرادت التغلغل في شرق المغرب ووسطه والاتجاه جنوبا نحو نهر كير ومنطقة تافيلالت، وانتقالها من موريطانيا ( المغرب) إلى نوميديا ( الجزائر) وليبيا. وكل هذا أثر سلبا على التواجد الروماني في شمال أفريقيا.
ومن الأدلة التي تثبت أن ثورة سالابوس قد انطلقت من جنوب المغرب الشرقي وتمركزت في الأطلس ما قيل عن تحالفه مع المكنيتيين الذين كانوا يستقرون في هذه الجبال وكانوا يغيرون على مراكز السلطة الرومانية وخاصة العاصمة وليلي التي كانت تستهدف في كل مرة حتى شبه هؤلاء المكنيتييون في الكتابات التاريخية الرومانية باللصوص والسراق وعصابات النهب والغصب. ومن هنا، أكد ديون كاسيوس:" أن استقرار المكنيتيين كان في موريطانيا الجنوبية" وهو الاستقرار الذي أجمع الباحثون على توطينه في شعاب الأطلس الكبير الشرقي."
وباختصار، إن المكنيتيين كانوا يستقرون في منطقة مكناسة التي سميت بذلك في الفترة الإسلامية الوسيطة. ويعني هذا أن المكنيتيين الذين تحالفوا مع الثائر سالابوس هم:" أسلاف القبيلة الأمازيغية الزناتية مكناسة- مكناسة الفترة الإسلامية- التي كانت مواطنها خلال القرن الثامن للميلاد تمتد ما بين وادي ملوية الأسفل شمالا وتافيلالت جنوبا وممر تازة غربا وهضاب الجنوب الوهراني شرقا.".
هذا، وقد ذكرت ثورة سالابوس في كتابات المؤرخ پلينيوس pline والشاعر الجغرافي صولينوس Solinus والمؤرخ دون كاسيوس Don Casius أثناء حديثهم عن حملات القواد الرومانيين الذين زحفوا بجيوشهم وفيالقهم نحو شمال أفريقيا للتصدي لكل الثورات التي أثارها الزعماء الموريون في موريطانيا مابين ملوية وجبال الأطلس والصحراء إلى نهر كير.
و" نتيجة لبخل المصادر، لم تثر ثورة سلابوس انتباه العديد من الباحثين المحدثين الذين تناولوا أحداث القرن الأول للميلاد من تاريخ الإمبراطورية الرومانية أو الذين درسوا أحداث ما بعد اغتيال الملك بطليموس من تاريخ موريطانيا.
وهكذا اكتفى بعضهم بالإشارة إلى هذه الثورة بذكر اسم زعيمها سالابوس، ولم يتعد البعض الإشارة الخفيفة إلى القائدين سويطونيوس بولينوس وهوزيديوس جيتا- أو احدهما دون الآخر- اللذين سلطتهما روما على المنطقة لإخماد نار هذه الثورة. بل أكثر من ذلك، ومن الغريب، أن بعض هؤلاء الباحثين اعتبروا هذه الثورة وما ارتبط بها من حملات رومانية إلى الجنوب الشرقي للمغرب امتدادا لثورة أيديمون وما صاحبها من الحروب في مثلث المغرب الروماني".
وعلى أي حال ، فقد ظهرت ثورة سلابوس في غرب موريطانيا الشرقية في نفس الوقت التي اشتعلت فيها ثورة أيديمون في موريطانيا الغربية بعد مقتل الملك بطليموس من قبل الإمبراطور الروماني المتغطرس كاليگولا،واندلاع ثورة المزالمة التي رفضت بشكل مطلق الوجود الروماني في أفريقيا الشمالية.
ونتج عن اندلاع هذه الثورات الثلاث:" التدخل الروماني السريع والعنيف بهدف قمع وخنق الثورات الثلاث في المهد، وذلك بوصول المدد الروماني الثقيل: بقيادة ماركوس ليكينيوس كراسوس فروجي منذ سنة 41 م إلى موريطانيا الغربية للقضاء على ثورة أيديمون سنة 44 م، وبقيادة كايوس سويطونيوس بولينوس Cais Suetonius Paulinus وخلفه كنيوس هوزيديوس جيتا منذ سنة 42 م إلى غرب موريطانيا الشرقية للقضاء على ثورة سالابوس هناك سنة 44 م، وبقيادة سرفيوس سولبيكيوس گالبا Servius Sulpicius Galba للقضاء على ثورة المزالمة في نوميديا سنة 45 م."
هذا، وقد شن سالابوس القائد البربري مجموعة من الهجمات الخاطفة والمتكررة ضد التواجد الروماني في نوميديا وموريطانيا وبالضبط في الجنوب الشرقي من المغرب. ومن المعلوم أيضا أن هوزيديوس كان يستهدف من زحف قواته إلى منطقة تامازغا توحيد موريطانيا الغربية وموريطانيا الشرقية وتأمين الطرق البرية والبحرية من أجل تطويق الممالك الأمازيغية واستغلال ثروات أفريقيا الشمالية والسيطرة على كل المنافذ والموانئ والثغور والطرق الإستراتيجية التي ستسمح للإمبراطورية الرومانية التحكم في ممتلكات وخيرات الأهالي ونهبها واغتصابها لتوجيهها إلى الموانئ المتوسطية أو الأطلسية وتصديرها، بالتالي، تجاه العاصمة المركزية : روما.
وقد نتج عن شراسة مقاومة سالابوس في مجابهتها للقوات الرومانية أن عينت الحكومة المركزية بروما القائد الروماني هوزيديوس جيتا (Husidius Geta ) على رأس حملة عسكرية قوية من حيث العدة والعدد لتواجه القائد الأمازيغي الموري سالابوس سنة 42 م. وفعلا انتصر هزيديوس جيتا عليه مرتين متتاليتين، قبل أن يعقد معه معاهدة سلام، لكن هذه المعاهدة لم تستمر ولم تثمر ميدانيا، فكرر سالابوس حملاته الهجومية ضد الروم. بيد أن القائد هزيديوس جيتا كان له بالمرصاد ، فلاحقه في الصحراء، الشيء الذي أدى إلى استسلام القائد الموري ومحاربيه، وكانت نتيجة ثورة سالابوس الأسر والاعتقال من قبل هيزيديوس سنة 42 أو 43 م.
2- نتائـــج مقاومة سالابوس:
سببت مقاومة الموري سالابوس في تحقيق الكثير من الخسائر في صفوف الجيش الروماني و اضطرار الإمبراطورية الرومانية لإنفاق الكثير من أموال الخزينة العمومية التي وجهت لتموين الحملات العسكرية المتتالية التي كانت تنتهي إما بالفشل والهزيمة تارة وإما بالانتصار والفوز المؤقت تارة أخرى. وكانت كل حملة عسكرية موجهة لإخماد المقاومة الأمازيغية الشعبية تمنى بلا ريب بخسائر فادحة وبمؤونة باهظة الثمن تدفعها السلطة المركزية في روما من أجل سحق المعارضة المورية قصد العمل على استتباب الأمن في كل المناطق التابعة للإمبراطورية الرومانية الشاسعة.
ومن نتائج ثورة سالابوس أنها دفعت الرومان لتقسيم المغرب إلى قسمين من أجل تطويق المقاومة الأمازيغية الشرسة التي لقنت الرومان درسا لاينسى ألا وهو أنه من المستحيل احتلال المغرب وتركيع أبنائه واستغلال خيراته لصالح الأجانب، ومهما طال التواجد الروماني فلابد من الانسحاب في يوم من الأيام، وأن المقاومة ستستمر في التحدي والمجابهة إلى آخر لحظة من لحظات الدفاع والممانعة والمقاتلة . وهكذا، أفهم القائد الأمازيغي سالابوس القوات الرومانية أثناء تحالفه مع الباگواطيين والمكنيتيين بأن:" كل تدخل عسكري لهم في شرق المغرب سيسبب لهم تعبا كبيرا لاطائل من ورائه، كما نبههم إلى استحالة بسط نفوذهم هناك، مما دفع الإمبراطور كلوديوس(54-41 م) إلى تقسيم مملكة بطليموس سنة 46 م إلى ولايتين يفصل بينهما نهر ملوية: موريطانيا القيصرية شرقا وموريطانيا الطنجية غربا.".
وعليه، إذا كان القائد الروماني سويطونيوس قد بلغ في زحفه على البربر ماوراء جبال الأطلس إلى نواحي تافيلالت، فإن هزيديوس جيتا قد تمكن من القضاء على آخر ثائر بربري وهو سالابوس سنة 42 أو44 م. وبعد ذلك، قسم المغرب إلى منطقتين أساسيتين: منطقة موريطانيا القيصرية وعاصمتها شرشال، وموريطانيا الطنجية وعاصمتها وليلي،وهناك من يقول بأن عاصمتها هي مدينة طنجة.
خاتـــمة:
وبناء على ماسبق، فإن القائد الأمازيغي الموري سالابوس مازال إلى حد الآن شخصية غامضة لم ترصد بشكل مفصل ومطول ، وهي في حاجة ماسة إلى أبحاث ودراسات وتنقيب وثائقي وحفر أركيولوجي لمعرفة سالابوس وطبيعة شخصيته وتطور مقاومته ونتائجها المباشرة وغير المباشرة. وما وصلنا من المعلومات كلها مأخوذة من الهيسطوغرافيا( التاريخ) الرومانية القديمة، وهي بدورها في حاجة إلى فحص وغربلة وتقويم علمي نزيه بدون تحيز أو تمايل تستلزمه الأهواء الإيديولوجية و والانتماءات العرقية والصراعات الحضارية.
وعلى الرغم من قلة الوثائق واستعصاء الذاكرة التاريخية عن الاسترسال والتداعي والانسياب في تحرير الأحداث التي عاشها القائد الموري، فإن سالابوس يبقى مقاوما أمازيغيا مناضلا بكل نيل وشهامة ،كان يتحرك في الجنوب المغربي بكل حرية خارج خط الليمس لمحاصرة الرومان وتطويقهم في حصونهم ومعاقلهم من أجل الضغط عليهم عسكريا، وإخراجهم من مراكزهم ليوجه إليهم ضربات قاضية وطعنات موجعة. وعند اشتداد رد الفعل الروماني يختار سالابوس الحلول الإجرائية كالفرار إلى الصحراء أو الاختباء في جبال الأطلس الوعرة حيث يعجز الجيش الروماني عن التغلغل في أرجائه لصعوبة التضاريس وقسوة المناخ.[/size]